علامات الترقيم وأثرها في قراءة النص في اللغة العربية
السلام عليكم ورحمة الله
لقد اختلفت الآراء والنظريّات في أصل الكتابة العربية، فبعض هذه الآراء قام على افتراضات لا تمسّ الواقع بصلة، وممّا جعل هذا اللبس يتلاشى هو اكتشاف النقوش في شمال شبه الجزيرة العربية، التي قامت بإيضاح الكتابة العربية، وقد ذهب الباحثون في أصل الكتابة إلى عدة مذاهب، أوّلها التوقيف أي أن الكتابة وقف من الله تعالى، والمذهب الثاني الاشتقاق، أي أنّ الخط العربي مشتقّ من خط المسند، أمّا المذهب الثالث فهو الذي يُرجع أصل الكتابة إلى الخط المصري القديم، وقد مرّت الكتابة بعدّة مراحل إلى أن وصلتنا لما هو عليه اليوم، بما تحتويه من جماليات وعلامات ترقيم تُسهّل من قراءتها وتسهل من تعلم العربية وتسهل من تعليم العربية، وفي هذا البحث سيتمّ تسليط الضوء على علامات الترقيم في اللغة العربية فهو بحث حول اللغة العربية، حيث علامات الترقيم لها أثر بديع علي الجمل والكلمات أثناء الكتابة، ممّا يسهّل عملية فهم النصّ من قبل القارئ أثناء القراءة، وتسهل تعليم اللغة العربية للمبتدئين وتعليم اللغة العربية للمبتدئين الكبار، وقد بُدِءَ باستخدام هذه العلامات قبل حوالي مئة عام.
تُعرّف علامات الترقيم في اللغة العربية على أنّها رموز اصطلاحيّة معيّنة، اتفق عليها علماء اللغة الأقدمون وزاد عليها العلماء المحدثون، وتوضع هذه العلامات بين الجمل والكلمات أثناء الكتابة، وذلك بهدف تنظيم النص وتحديد مواضع الوقف والابتداء والفصل، وأنواع النبرات الصوتية أيضًا فهي من أهم قواعد اللغة العربية، ممّا يسهّل عملية فهم النصّ من قبل القارئ أثناء القراءة، وقد بُدِءَ باستخدام هذه العلامات قبل حوالي مئة عام وتمت اضافتها الى كتب تعليم اللغة العربية، بعد أن تمّ نقلها عن اللغات الأخرى من قبل أحمد زكي باشا، وذلك بطلب من وزارة التعليم المصرية في ذلك الوقت، كما تمّ إضافة ما استجد من علامات وتحديثها بما يناسب القارئ، وهذه العلامات تُجمّل النص وتساعد على قراءته وتسهل تعلم اللغة العربية الفصحى، فإذا تمّ عرض أيّ نصٍّ من النصوص ليس فيه علامات ترقيم فقد ضاع المعنى فيه، فلا يُعرف انتهاء الفقرة مثلًا من مواضع التعجّب من الاستفهام، وفي ذلك ضياع لمعنى الفقرة وضياع لجماليتها، فجمال اللغة العربية يكمن في احتوائها على علامات الترقيم، وترتبط علامات الترقيم بالرسم الإملائي، وهي علامات مرسومة تُوضَع بين الكلمات، أو الجمل عند الكتابة؛ بهدف إعانة القارئ على فَهم المعنى المقصود بكل يُسرٍ وسهولة، وتنظيم المعلومات له تنظيماً واضحاً؛ لذلك ينبغي اختيار علامات الترقيم المناسبة؛ حتى لا يختلّ المعنى المطلوب، فإذا خلَت الكتابة من علامات الترقيم المناسبة، فإنّ هذا يُؤدّي إلى اضطراب المعنى عند القارئ.
وتُعرّف علامات الترقيم في اللغة حسب ما ورد في معجم "القاموس المحيط" بأنّها علامات اصطلاحيّة تُكتب أثناء الكلام أو في نهايته، مثل: النقطة، والفاصلة، وعلامتيّ التعجب والاستفهام، أمّا معناها الاصطلاحي فهي عبارة عن علامات محددة توضع أثناء عملية الكتابة؛ بهدف تعيين مواطن الوقف، والفصل، والابتداء، وبيان الأغراض الكلاميّة، وأشكال النبرات الصّوتيّة خلال القراءة، وتوضيح المقاصد لتسهيل فهم المعاني في الجمل وتسهيل دراسة اللغة العربية، وسُميّت علامات الترقيم أيضًا بهذا الاسم لأنّها تعتبر دلالة على العلامات والرموز والنقوش الموضوعة في الكتابة، والمستخدمة أيضاً في تطريز المنسوجات، ومن هذه التسميّة استخرج علماء الرياضيات لفظ "رقم وأرقام" لتبيان الإشارات المخصصة للأعداد.
أهمية علامات الترقيم
سيتمّ التطرّق في الحديث عن أهمية وضع علامات الترقيم في اللغة العربية، إذ لا بدّ أن يكون لوجودها في النص أهمية كبيرة، ويمكن إجمال هذه الأهمية في النقاط الآتية:
• تُسهل علامات الترقيم عملية الفهم على القارئ، وتزيد من إدراكه للمعاني، كما أنّها تفسّر المقاصد وتوضح التراكيب.
• تُسهل معرفة مواضع فصل الجمل وتقسيم العبارات، بالإضافة إلى الوقوف على المواضع التي يجب سكوت القارئ فيها، فتقوم بتحسين الإلقاء وتجوّده.
• تُسهل علامات الترقيم في اللغة العربية القراءة، فالالتزام بها يُجنّب القارئ هدر الوقت، لأنّ الزمن الذي يحتاجه القارئ لفهم النصّ المُرقّم بعلامات الترقيم أقصر بكثير من الزمن الذي تتطلبة قراءة النص غير المرقم بعلامات الترقيم.
• تُضيف على الكلام دقّة في التعبير وصدق في الدلالة.
• تُنظم علامات الترقيم النصّ وتُجمّل لغته، كما أنّها تُحسّن عرضه؛ فيظهر للقارئ بشكل مُريح يدفعه إلى القراءة والاستمتاع بها.
علامات الترقيم واستخداماتها
1- النقطة
تُكتب النقطة بهذا الشكل: (.) وتستخدم في أماكن متعددة، ومن أهمّها نذكر ما يلي:
• عند نهاية الجملة التامة في المعنى والإعراب، سواء أكانت هذه الجملة فعليّة أم اسميّة أم مركبة، كما يمكن استخدام النقطة داخل علامات التنصيص في حال كانت الجملة طويلة وتامة في المعنى، مثل قولنا: (أكلتُ التفاحة.)، أمّا بخصوص الجملة الاعتراضية فيفضل نقلها إلى الحاشية في حال كانت جملة طويلة وتامة في اللغة والمعنى، إلا أنّه يمكن في حالات معينة وضع الجملة الاعتراضية داخل قوسين، وإنهائها بنقطة دون الحاجة إلى كتابة نقطة أخرى في نهاية القوس الثاني.
• بعد القوس الثاني أو علامة التنصيص الثانية مباشرةً في حال انتهت الجملة بهما، سواء احتوت هذه الأقواس على كلمة أم عبارة أم جملة فرعية غير تامة في المعنى.
• بعد نهاية الفقرات المُرقّمة، والتي تبدأ بسطر جديد حتى لو لم تكن الجملة مكتملة المعنى بدلاً من الفاصلة؛ وذلك من أجل التيسير على القارئ وخاصةً أنّ هذه الفقرات المرقمة قد تحتوي على جملة تامة في المعنى، أو مجموعة من الجمل استوفت معناها وإعرابها، فتُعامل كغيرها من الجمل.
• بعد الحروف أو الأسماء، أو الكلمات التي تمّ اختصارها، ومن الأمثلة على ذلك قولنا: (ق.م) أي (قبل الميلاد).
2- الفاصلة
تُرسم بهذا الشكل: (،) وترمز إلى وقفة قصيرة، وتكتب الفاصلة في مواطن عدّة، ومن أهمها نذكر ما يلي:
• توضع بين مجموعة من الجمل تتألف من كلام تام الفائدة لغرض معين، ومن الأمثلة على ذلك: (إنّ خالداً طالبٌ مؤدب، لا يؤذي أقرانه، ولا يقصر في واجباته).
• توضع بين الكلمات المتشابهة مع الجمل في طولها، ومثال على ذلك قولنا: (سافر والدي، ابتعدتْ به الطائرة، حزنتُ كثيراً).
• تأتي بعد لفظ المنادى، مثل قولنا: (يا علي، اجتهد في دروسك).
• تستخدم بين أنواع الشيء وأقسامه، ومن الأمثلة على ذلك قولنا: (فصول السنة أربعة: الصيف، والخريف، والشتاء، والربيع).
3- الفاصلة المنقوطة
تكتب بهذا الشكل: (؛) وتستخدم في الأماكن التالية:
• بين الجمل الطويلة التي تتألف من كلام مفيد، ومثال ذلك قولنا: (المشكلة في المدارس ليست ناتجة عن ضعف المناهج، أو هبوط مستوى الطلاب، أو عدد الحصص الدراسية؛ إنما تكمن المشكلة في عدم تعاون أهالي الطلبة مع المدرسة).
• بين جملتين تكون الأولى منهما سبباً للثانية، ومثال على ذلك قولنا: (صاحب مجتهداً؛ لأنّ مصاحبة المجتهدين تُكسب)، أو تكون الجملة الثانية نتيجة للجملة الأولى، ومثال على ذلك: (احذر من الإهمال؛ حتى لا يتقدم عليك غيرك).
4- النقطتان الرأسيتان
تكتب بهذا الشكل: (:) ويوجد لها عدّة استعمالات، ومن أهمّها نذكر ما يلي:
• توضع بين القول والمتحدّث به، ومن الأمثلة على ذلك: (قال جدي: لا تؤخر عمل اليوم إلى الغد).
• توضع بين الشيء وأجزائه، ومثال على ذلك قولنا: (عدد أصابع اليدّ خمسة: السبابة، والوسطى، والإبهام، والخنصر، والبنصر).
• توضع قبل ذكر الأمثلة التي توضح قاعدة، مثل أن نقول: (أقسام الكلام ثلاثة: حرف، واسم، وفعل)، وأيضاً قبل الكلام الذي يشرح ما قبله، ومثال على ذلك: (الصدق صفة نبيلة: تجعل صاحبها محترماً بين الناس، يوثق بكلامه وبفعله).
5- الأقواس
نذكر منها ثلاثة أنواع، وهي:
• القوسان الهلاليان: ترسم هذه الأقواس بهذا الشكل: ( ) ويوضع بينهما: الجمل المعترضة، وألفاظ التفسير والإيضاح، وألفاظ الاحتراس، ومن الأمثلة عليهما: زرتُ ثالث الحرمين (المسجد الأقصى) وصليتُ فيه.
• القوسان القرآنيان: تكتب بينهما الآيات القرآنية بدلاً من علامة التنصيص، مثل قول الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ}.
• القوسان المعكوفان: شكلهما: [ ]، ويوضع بينهما الكلام الخارج عن السياق، والبعيد عن الأصل، ويستخدمها في الغالب كتّاب الدراسات والأبحاث منعاً للخلط.
6- علامات التنصيص
• ترسم بهذا الشكل: (" ") وهي من علامات الترقيم التي تستخدم عند كتابة كلام تمّ اقتباسه نصيّاً وحرفيّاً من كلام أشخاص آخرين، ومثال على ذلك: (التواضع من أمهات الفضائل، دعا إليه الأنبياء والحكماء، ومن أفضل ما قيل فيه كلمة لعباس محمود العقاد: "التواضع نفاق مرذول، إذا أُخفيت به ما لا يخفى من حسناتك توسلاً إلى كسب الثناء").
7- علامة التعجب
• تُرسم بهذا الشكل: (!) وتسمى أحياناً علامة الانفعال؛ وهي من علامات الترقيم التي تأتي بعد الجمل التي تدل على انفعالات نفسية غير متوقعة، وهي تعبّر عن العواطف أكثر مما تعبّر عن الأفكار؛ لهذا لا تستعمل في الكتابات العلميّة، ومن هذه الانفعالات: التعجب، والاعجاب، والتهكم، والفرح، والحزن، والتحذير، وهي تنوب عن النقطة، ومثال عليها قولنا: (ما أنبل هذا الرجل!).
8- علامة الاستفهام
• تكتب بهذا الشكل: (؟) وتستخدم عادةً بعد نهاية الجملة الاستفهامية، سواء أكانت أداة الاستفهام موجودة في الجملة أم محذوفة، وهي تنوب عن النقطة في هذه الجمل، وتكتب عادةً نهاية الجملة في حالة انتظار السائل إجابة أو استجابة للسؤال عن أمر معين مثل قولنا: (كم الساعة الآن؟)، أمّا إذا كان الناطق بالجملة لا ينتظر واحدة منهما فلا توضع أداة الاستفهام إلا بين علامتيّ التنصيص، مثل قولنا: (سألني صديقي: "أين الكتاب"؟).
9- الشرطة أو الوصلة
ترسم بهذا الشكل: (-) وتستخدم في المواضع التالية:
• توضع عند الفصل بين ركنيّ الجملة في حال كان الركن الأول طويلاً، ومن الأمثلة على ذلك قولنا: (الطائر ذو الألوان الجميلة، الواقف على أغصان الشجرة- يغرد كلّ يوم).
• تُوضع بين العدد والمعدود في حال كانا كعناوين في بداية السطر، وسواء أكان العدد رقماً أم لفظاً، ومثال على ذلك: (إذا قمتُ برحلة آخذ معي: أولاً- الطعام والماء، ثانياً- أدوات الرحلة، ثالثاً- وسائل الترفيه.
10- علامة الحذف
• يُرمز لها بهذا الشكل: (...) وتستبدل مكان الكلام المحذوف من عبارة معينة، ومثال على ذلك: (بنى بغداد الخليفة...)، و(بنى القاهرة القائد...).
ونتيجة البحث هي أن علامات الترقيم لا استغناء عنها في اللغة العربية ابداً، فهي تسهل القراءة وتُسهل علامات الترقيم عملية الفهم على القارئ، وتزيد من إدراكه للمعاني، كما أنّها تفسّر المقاصد وتوضح التراكيب، وتُسهل معرفة مواضع فصل الجمل وتقسيم العبارات، بالإضافة إلى الوقوف على المواضع التي يجب سكوت القارئ فيها، فتقوم بتحسين الإلقاء وتجوّده، وهذه العلامات تُجمّل النص وتساعد على قراءته، فإذا تمّ عرض أيّ نصٍّ من النصوص ليس فيه علامات ترقيم فقد ضاع المعنى فيه، فلا يُعرف انتهاء الفقرة مثلًا من مواضع التعجّب من الاستفهام، وفي ذلك ضياع لمعنى الفقرة وضياع لجماليتها، فجمال اللغة العربية يكمن في احتوائها على علامات الترقيم، وعلامات الترقيم هي النقطة وتستخدم في أماكن متعددة أهمها في أواخر الجمل، ثم الفاصلة وتستخدم في أماكن متعددة أهمها بين مجموعة من الجمل، ثم الفاصلة المنقوطة وتستخدم في أماكن متعددة أهمها بين الجمل الطويلة، ثم النقطتان الرأسيتان وتستخدم في أماكن متعددة أهمها بين القول والمتحدث به، ثم الأقواس وتنقسم أنواع وتستخدم في أماكن متعددة، ثم علامات التنصيص وتستخدم في أماكن متعددة أهمها عند اقتباس كلام نصياً، ثم علامة التعجب وتأتي في نهاية الجملة وتدل علي انفعال نفسي غير متوقع، ثم علامة الاستفهام وتأتي في نهاية الجملة الاستفهامية، ثم الشرطة وتوضع عند الفصل بين ركني الجملة ولها مواضع أخري، ثم علامة الحذف وتستبدل مكان الكلام المحذوف.
ارجو ان تكونوا قد استفدتم، ويمكنك دعمى من خلال الاشتراك بالمدونة وعمل متابعة للمدونة ليصلك كل جديد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق